في خضم الحديث عن الهجمات السيبرانية والذي تحول بالمغرب إلى كرة ثلج تكبر يوما عن يوم، في مقابل تنامي مخاوف المغاربة من نتائج هذا الهجوم والمجالات التي يمكن استهدافها مستقبلا، تعيش العديد من المؤسسات والادارات العمومية بالمغرب ومعهم عموم المغاربة على وقع القلق والخوف من هذه الحرب الرقمية التي تكون أضرارها وخيمة على الأفراد والاقتصاد الوطني، خصوصا أن الجهات الواقفة وراء هذه الهجمات السيبرانية تشكل خطرا أمنيا على بيانات المغاربة سواء كانت مهنية أو مالية أو طبية أو عسكرية أو أمنية.
وضمن هذه المخاوف ينتصب القلق حول حماية المعلومات الاقتصادية الهامة التي تتوفر لدا المهنيين من قبيل مهني المحاسبة بالمغرب، علما أن هذا القطاع يعد اللبنة الأساسية لتوفير المعلومة المحاسباتية والجبائية والاقتصادية الدقيقة حول المؤسسات والشركات التي تلجأ إلى خدمات المحاسبين والخبراء وغيرهم، مما يحتم على القائمين على أمن المهن الاستراتيجية والحساسة اقتصاديا،التعجيل بتفعيل الحماية الأمنية المعلوماتية لمكاتب المحاسبين وخبراء نفس القطاع، والتي تعاني من غياب الفعالية المطلوبة للحماية من أي اختراق سيبراني محتمل.

ولعل السبب في ذلك راجع إلى محدودية التجهيزات والأدوات المتوفرة بمكاتب المحاسبين والخبراء في المغرب، نظرا لغياب المواكبة التقنية للإدارة الوصية على مستوى النظم المعلوماتية التي يشتغل بها المهني لإيصال المعلومة الجبائية للإدارة والتي لا تتوفر على شهادة ضمان صادرة عن المؤسسات المختصة، من شأنها بأن تثبت فعالية وقوة النظم الآمنة في حماية المعلومات المركنة رقميا بداخلها. وكمثال على ذلك، يمكننا بأن نسوق في هذا المجال، تجارب الدول الأكثر تقدما وحمائية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تلجأ إلى مواكبة المهنيين من قبيل مكاتب المحاماة والموثقين والأطباء والمحاسبين، عبر تمكينهم من شواهد ضمان مصادق عليها من السلطات لكل البرمجيات، والتي تستعملها حماية للمواطن من كل اختراق محتمل.

فالخطورة بالمغرب تكمن في كون المعلومات المتوفرة في المكاتب والدواوين تعد بالمقارنة مع المؤسسات الإدارية سهلة للاختراق السيبراني، حيث لا حاجة لاختراق نظم الإدارة لأنها مستقبلة للمعلومة الصادرة عن المهنيين، وهذا ما نبه له العديد من مهني المحاسبة المغاربة في عدة مناسبات سواء كانت مهنية أو غيرها، حيث سبق لهم الكشف عن سوابق خطيرة ضمن قرنصة مكاتب وفي مناسبات حساسة في فترة ايداع التصريحات السنوية باعتبارها مناسبة لطلب”الفدية”من المهني لإرجاع المعطيات.
فما تعرضت له مؤسسة صندوق الضمان الاجتماعي بالمغرب، بموازاة مع الهجوم الرقمي غير المسبوق، أصبح من الضروري بل من المؤكد التعاون مع مختلف الهيئات المهنية لتجهيز المكاتب بآليات وبرامج تخضع وجوبا لمستوى معين من الحمائية المعلوماتية، وذلك لتأمين حماية لرافد مهم من روافد المعلومة الدقيقة الموجهة إلى الخدمة العمومية لكي لا تصبح مباحة بشكل سهل للقراصنة الدين يتربصون بكل هفوة معلوماتية لولوج للمعطيات الحساسة للمقاولات والهيئات.

من جهة أخرى، فإن الهجوم السيبراني الأخير على المغرب، يدفعنا للتذكير بأن مهني المحاسبة كان لهم الفضل ولسنوات بإنجاح كل برامج الدولة الرقمية وعلى رأسها التصريح والأداء الإلكتروني الإجباري الذي جرى اعتماده منذ سنة 2016، ومنذ ذلك الحين لجأ المهنيون مرغمين واستجابة لهذا المستجد القانوني والجبائي للاستعانة “ببرمجات” جرى اقتناؤها بإمكانيات واجتهاد خاصين، لكن ورغم نجاعتها إلى حدود الآن في ايصال المعلومة الرقمية إلى الإدارة الوصية على القطاع، فإن هذه البرمجيات الرقمية، تواجه اليوم حاجتها لشهادة الضمان الصادرة عن المؤسسات الإدارية وكذا الأمنية ببلادنا، مما يشترط وضع دفتر تحملات دقيق لاقتناء برمجيات مختصة في حماية المعلومة الاقتصادية التي لا تقل عن أي معلومة أخرى.
إن الأمن الاقتصادي وعلاقته بهذه البرمجيات التي سهلت عمل المهنيين والادارة لا يقل أهمية عن الأمن العام خاصة في هذه الظرفية المتقلبة دوليا ، ذلك أن المعطيات الاقتصادية الهامة لا يمكن لها بأن تكون مباحة بشكل سهل للعموم خاصة إذا سلمنا بكون جل البرمجيات المعمول بها مستوردة من الخارج، أو أنها جرى تطويرها داخليا في غياب المعرفة الدقيقة بمحتوياتها المعلوماتية والتي قد تهدد لا قدر الله الأمن المعلوماتي للدولة، والتي بات على عاتقها توفير الحماية من المنبع وتعميمها على كل القطاعات العمومية والمهنية المرتبطة بمجال اشتغالها.