إن مسألة الاعتقال السياسي في المغرب سلوك قديم ارتبط ببداية تشكل السلطة السياسية وظهور التناقضات المجتمعية إذ أن كل خروج محتمل عن اللعبة السياسية للنظام القائم وكل محاولة فضح للفساد و الاستبداد كانت تجد في مواجهتها رفض من قبل الطبقة السائدة مما كان يؤدي إلى الاعتقال.
ومن وجهة نظر الماركسيين المغاربة فالاعتقال السياسي”قضية طبقي”ة ومسألة مرتبطة بشكل كلي بالصراع الطبقي وهو يشكل إحدى تجليات الدكتاتورية التي تمارسها الطبقة الحاكمة، وهو وفق هذا المنطلق شكل من أشكال القمع السياسي الذي تمارسه الطبقة الحاكمة ضد خصومها السياسيين باسم أمن الدولة، وقد عرف المغرب أبشع حالات الاعتقال السياسي، حيث تعامل النظام الحاكم مع هذه الآفة بشكل سلبي وهروبي سواء من حيث إنكار وجود معتقلات سياسية غير قانونية ببلادنا أو إنكار وجود معتقلين سياسيين.
الاعتقال السياسي ومبدأ التعددية السياسية
وفق القانون الدولي فإن الاعتقال السياسي إجراء محظور في جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، ووطنيا هو اعتقال خارج عن القانون وتعسفي ويعتبر مسا خطيرا بالدستور والتفاف على المواثيق الدولية والقوانين الوطنية.
ويمتاز هذا النوع من الاعتقال بأنه عملية منظمة وليست عشوائية يستهدف من خلالها المخزن إلى إرهاب المعارضة أو اعتقالها أو إجبارها على الرحيل وتأتي ضمن حملة استئصال لكوادر الأحرار والحرائر المعارضين المؤثرين للحد الذي يصبحون فيه غير قادرين على المعارضة، أو مقارعة الجهة الحاكمة وعبر ذلك ينفذ المخزن سياساته والاستراتيجية التي خطط لها في كافة النواحي دونما معارضة، وذلك بعدما يكون قد فرض حالة من الشرذمة والاحتكار للسياسات وتشريعها، ومحاصرته للقوى الرافضة”للفساد”.
و يعتبر الاعتقال السياسي في المغرب أيضا انتهاكا لمبدأ التعددية السياسية وحرية تشكيل الأحـزاب والـذي يعد من أهم مبادئ الديمقراطية ويتناقض مع الخطاب الرسمي للدولة المغربية، فالوطن هو للمغاربة أينما كانوا فيه يطورون هويتهم الوطنية والثقافية ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسـانية فـي ظـل نظـام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل، وقد شددت في هذا الصدد العديد من الجهات الحقوقية والسياسية التقدمية على أن مبررات وأسباب الاعتقال السياسي في المغرب واهية ولا أساس لها من الصحة.
الاعتقال السياسي وجدلية التعاطي معه بالمغرب
إن مسألة التعاطي مع الاعتقال السياسي بالمغرب ينبغي أن تتجاوز النظرة السطحية المنطلقة من الوازع الأخلاقي عبر الإحساس بالظلم المسلط على شخص أو تيار أو حركة سياسية وجماهيرية، وذلك باستيعابها في مقابل ذلك ضمن مسارها الصحيح باعتبارها واجبا نضاليا يتعين استحضاره والنضال من أجله لفضح السياسات المخزنية.
ويبقى أفضل دعم يُقدم للمعتقل السياسي هو الوفاء لجوهر قضيته وإبرازها إلى العلن باعتبارها قضية طبقية تساهم في كشف مخططات”الدولة العميقة” حيال سياسات طبقية تروم قمع الأصوات الحرة، وتكميم الأفواه و سلب الحريات والعمل على الانتقاص من كرامة المناضلين عبر الزج بهم في غياهب السجون وطمس قضيتهم وأخبارهم.
الاعتقال السياسي والقوى السياسية
إن قضية الاعتقال السياسي بالمغرب تحتاج إلى هيئات وقوى تعمل بمنهجية وأسلوب عمل واضح للجميع بعيدا عن احتكار المعلومات لكي تنتقل من حيز الخصخصة النضالية إلى حيز قضية رأي عام مغربي، فقضية الاعتقال السياسي يجب أن تكون إحدى مفاتيح الدخول للعملية السياسية وليس في صلب عملية التفاوض وانتظار العفو بحيث يلاحظ المتتبع لقضية الاعتقال السياسي أنه لا يتم التعامل مع هذه القضية بمنهجية واضحة ومعلومة للجميع سواء كان للقوى المجتمعية أو عند القوى السياسية متفرقة كهيئات وأحزاب، وهذه المقارنة البسيطة للتعامل الإعلامي والإعلاني عن قضية الاعتقال السياسي منذ انطلاقة حركة 20 فبراير مرورا بحراك الريف إلى قضية الصحفيين “عمر” و “سليمان” والأوضاع الحياتية للمعتقلين داخل السجون توضح إلى أي حد لا يتم التركيز على قضية الاعتقال السياسي بالمغرب .