تتمتع الهند بتقاليد فلسفية غنية ومتنوعة يرجع تاريخها إلى نصوص الاوپانیشاد في الفترة الڤيدية المتأخرة (حوالي 1300 ق.م) وهي أقدم المذاهب الفلسفية في العالم.
تقليدياً، الفلسفة الهندية تُعرَف كمدارس متعصبةأو غير متعصبة حسب ما إذا كانت تعتبر الڤيدا مصدر معصوم من المعرفة أو لا. يوجد 6 مدارس للفلسفة الهندوسية متعصبة وثلاث مدارس بدعية، المتعصبة هي نيايا، ڤايسـِسيكا، سامكيا، يوگا، پورڤا ميمامسا وڤنداتا، أما الفلسفة البدعية فهي: الجاينية، االبوذية، والمادية (كارڤاكا)” .
إن تفوق الهند أوضح في الفلسفة منه في الطب؛ ولو أن أصول الأشياء هاهنا أيضا، ينسدل عليها ستار يخفيها وكل نتيجة نصل إليها إن هي إلا ضرب من الفروض؛ فبعض كتب يوبانشاد أقدم من كل ما بقي لنا من الفلسفة اليونانية، لكن الفلسفة الهندية كانت -من وجهة نظري- أقرب إلى المذاهب الدينية والتقاليد المجتمعية التي ارتبطت بها من ناحية، بمثل ما كانت في نفس الوقت فلسفة محلية محكومة للرؤى الغيبية الميتافيزيقية الخادمة لمصالح الشرائح العليا في المجتمع الهندي من ناحية ثانية.
وفي هذا السياق، يقول هيجل عن الهند القديمة، وفق رؤية تكاد تكون عنصريه معادية للشرق: “امتازت الهند بانتقال الروح من الخارج إلى الداخل (أي من الموضوع إلى الذات) لكنا لن نجد هنا الذات الفردية الحقيقية, وإنما فكرة عامة عن الذاتية, فكرة هلامية عن الوجود كله بوصفه ذاتياً, فهنا اتحاد للذاتية والوجود أو المثالية الوجود الفعلي, وهي مثالية الخيال, ومن هنا كانت النظرة الهندية–حسب هيجل- هي نظرة وحدة الوجود العام لكنها وحدة لقوة الخيال لا للفكر, فهناك جوهر واحد يتغلغل في جميع الأشياء” .
ويضيف هيجل قائلاً: “أننا في الهند نسير في خطوة إلى الأمام من الوحدة إلى الاختلاف، أو من الدمج إلى الانفصال, وهذا التميز أو الاختلاف يرتد إلى طبيعة وليس إلى الروح, حيث تتميز طبقية مغلقة مصدرها الطبيعة أساساً, وتنقسم إلى :
الطبقة الأولى: العنصر الإلهي الذي يظهر بواسطتها إلى الجماعة وهي طبقة البراهمة، وقد خرجت من فم براهما.
الطبقة الثانية: تمثل عنصر القوة والبسالة وهي طبقة المحاربين والحكام وهي طبقة الكشاترية، وقد خرجت من ذراع براهما.
الطبقة الثالثة: التي تُعنى بمسائل الحياة وإشباع الضروريات (الزراعة، والحرف، والتجارة …) وهي طبقة الفيزيا، وقد انحدرت من حقوي براهما.
الطبقة الرابعة: هي عنصر الخدمة وهم مجرد أداة لرحلة الآخرين ومهمتهم هي العمل من أجل الآخرين وهي طبقة الشودرا، وقد انحدرت من قدم البراهما.
والاعتراف بالتحيزات هنا “لا تعني ظهور الذاتية، ذلك لأن الأفراد لا يختارونها لأنفسهم وإنما يتلقونها من الطبيعة، فالمساواة أمام القانون والحقوق الشخصية والملكية مكفولة لكل طبقة؛ أما الأخلاق والعدالة والتدين والمحبة والعواطف فلا وجود لها بين طائفة وأخرى؛ وتزداد العقوبات مع ازدياد دونية الطائفة ؛ ولكل طائفة حقوقها وواجباتها الخاصة بها، ولا توجد حقوق وواجبات عامة للجميع.
بناءً على ذلك، يرى هيجل أنه: (لا وجود للدولة في الهند) فهنا شعب فحسب، وإذا كان الاستبداد في الصين أخلاقياً فهنا استبداد بلا مبدأ ولا قاعدة من أخلاق دين، ذلك إن تاريخ الهند يكشف عن أن شعب الهند لم يقم بأي (فتوحات خارجية، لكنه هو نفسه كان ميدانا للغزو الخارجي باستمرار)، من هنا يصل هيجل سريعا إلى استنتاج مفاده أن “القدر المحتوم للإمبراطوريات الآسيوية أن تخضع للأوروبيين” .
يعود ظهور الفلسفة في الهند القديمة، إلى حوالي 1500 قبل الميلاد، حيث بدأت في المرحلة الأولى بانتشار الديانة الفيديه (1500 – 700 ق.م ) إلى جانب أديان أخرى، ثم البوذية (500 ق.م) أما المميزات العامة للحضارة الهندية:
1- التنوع والتعدد (اللغة والأديان والطوائف والعقائد).
2- الألم والمعاناة (المعاناة من الجوع والمرض والوحدة، وهناك نوعين من الآلام، آلام نفسية وآلام جسمانية، والمعاناة دائما روحية ونفسية والألم هو أصل الوجود وهو ناتج من المعاناة النفسية والروحية في ذلك الإنسان (الحياة قائمة على الألم).
3- الانضباط والسيطرة (كلما كانت النفس منضبطة كلما قلت آلامه).
4- التجربة والممارسة (لا يهم الفكر في نظر الهنود ولكن المهم هو التجربة والممارسة والأساس هو العمل)، وتجربة الحياة تقوم أصلا على الألم والمعاناة).
5- الطريق (بالمعنى العلمي هو المنهاج ولكن بالمعنى الهندي هو اتباع التعاليم الدينية).
6- التأمل والتفكير (الاستبطان) التفكير بالمعنى الذاتي أي تأمل النفس والتفير فيها).
7- الدين والفلسفة
8- التحرير والسعادة
9- الواجب و المسؤولية.
10- العدل والإنصاف”.
في هذا السياق، أشير إلى أنه في بداية تشكل الدويلات في أراضي الهند الحالية، “كان الاتصال المباشر بين الهند وأوروبا في العصور القديمة متقطعاً، على الرغم من غزو الإسكندر الأكبر للهند في العام 327 ق.م، وبالتالي فإن معرفتنا ضئيلة عن تأثير الشرق الفكري على الغرب، رغم اشارة بعض الباحثين إلى أن اليونانيين تلقوا حافزاً مهماً من الشرق، إلا أنه يصعب توثيق مصدر هندي معين”.
على أية حال، “يبدو أن التقاليد الفلسفية والدينية في أوروبا والهند، قد تطورت تطوراً مستقلاً نسبياً إحداها عن الأخرى، بدءاً من نهاية العصور القديمة إلى أعوام 1700، ولم يحصل أول نقل للفكر الهندي إلى جمهور أوروبي واسع، إلا في الحقبة الرومانسية، والصورة التي لدينا عن الفلسفة الهندية لا تزال تحمل علامة الحماس الرومانسي نحو الهند، وبخاصة في ما عبر عنه الفيلسوفان الألمانيان آرثر شوبنهاور (1788 – 1860) وفريدريك نيتشه (1844 – 1900)”([7])، ما يعني غياب المعاني المعرفية الوجودية والمنطقية في الفلسفات الهندية والصينية والفرعونية من ناحية، ومن ثم الإقرار بأن كلمة “فلسفه” جاءت من اللغة اليونانية، ودلت على النشاط الفكري الذي نشأ في بلاد اليونان القديمة.
والسؤال هو: “هل كان هناك أي شيء في الهند أو الصين يشابه الفلسفة اليونانية الكلاسيكية؟ مثلاً، هل نملك سبباً للكلام على انتقال من الأسطورة (mythos) إلى المنطق (logos) في تاريخ الفكر الهندي أو الصيني او الفرعوني والبابلي؟ الجواب هو أنه يصعب تقديم جواب واضح، ولكن – على الرغم من ذلك- فإننا نفترض وجود مسائل في الفكر الشرقي القديم جديرة بالانتباه، كما إننا نجد “منطقاً داخلياً” ومناقشات في تلك التقاليد هي بقايا ذكريات من تاريخ الفلسفة اليونانية، من وجوه عديدة، ذلك ان الفلسفات الشرقية عموماً لم تكن تميز أو تفصل بين الدين والفلسفة، أو بين الأسطورة والمنطق، كما هو الحال في الفلسفة اليونانية.
لقد وَحَّدَ الدين الهنود، “وذلك متجسد في النصوص السنسكريتية (Sanskrit) القديمة التي تسمى فيدا (Veda)، والتي تعود إلى حوالي 1200 – 800 ق.م، “ويعتبر الفيدا (كتاب المعارف) من أقدم الآثار الأدبية الهندية، وهو عبارة عن مؤلف ديني، يضم بين صفحاته عدداً من الآراء والأفكار الفلسفية عن العالم والانسان والحياة الاخلاقية، يتألف الكتاب من أربعة دواوين، أقدمها كتاب سامهيت، اما الدواوين الثلاثة الباقية فلا تتعدى كونها تعليقات وشروحاً وإضافات عليه.
ويتألف كتاب سامهيت، بدوره، من أربعة أجزاء، أقدمها –رج فيدا، وهو مجموعة من الاناشيد الدينية (حوالي 1500 ق.م)، يليه البراهمانا، ويحتوي عدداً من الطقوس الدينية، اعتمد عليها مذهب البراهمانية، الذي بقي مسيطراً حتى ظهور البوذية، ويتضمن الجزء الثالث –آريناكا، قواعد خاصة بسلوك الزهاد والنساك، اما الجزء الأخير – أو بانيشاد، فهو القسم الفلسفي من الديوان، يرجع ظهوره إلى بداية الألف الأول قبل الميلاد”.
” ويمكن القول إن “الفيدا” تنقل النظرة الكونية إلى الآريين القدامى، فغالباً ما كانت تربط الآلهة بقوى الطبيعة، كما في الأساطير اليونانية والنرويجية والسلافية، ولم يكن فوز الآلهة، في تلك المعركة، مضموناً بشكل حاسم، فالآلهة تحتاج إلى دعم الإنسان في المعركة ضد الفوضى، لذا، ” يصعب تسمية الفيدا بأنها فلسفة؛ فهي تصور لنا عالماً أسطورياً”.
وعليه، “فالأعمال الأخلاقية في الفلسفة الهندية مرتبطة بدورة الحياة والموت، وهناك عديد التأويلات الغربية لعقيدة إعادة التقمص –وبخاصة في وسط تفكير العصر الجديد (New Age)- يقدمها رسالة إيجابية تتحدث عن أشكال حياة عديدة للإنسان أو الحياة الأبدية، ويشبه ذلك نظرية نيتشه التي تتحدث عن “العودة الأبدية” لجميع الأشياء، والتي تعتبر بديلاً إيجابياً لمفهوم المسيحية عن الحياة”.