- أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري كلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس الرباط.
عندما نتحدث عن العملية الانتخابية في بيئتها المغربية وسياقاتها الراهنة، فإننا نتحدث عن نسخة سياسية من سباق الخيل، حيث يتنافس فرسان السباق تحت راية أحزاب سياسية معلومة، ومن خلال برامج سياسية مثقلة بالوعود والأماني على مؤشرات انتخابية موصوفة، تجد تعبيراتها في كتلة الأصوات ورصيد المقاعد النيابية، عملية التنافس هذه تخترقها أنماط مختلفة من اللعب الانتخابي “اللعب التعاوني واللعب غير التعاوني” وتوجهها استراتيجيات سياسية وانتخابية من أجل تحقيق رهانات انتخابية وأهداف سياسية قد تكون ضمنية أو صريحة.
وبما أن لكل سباق انتخابي رهاناته وحساباته، وهي رهانات تفاعل بشكل ديناميكي مع الموجات الطاقية للسياقات التي تحيط بحلبة السباق، فإن كل سباق يتطلب فرسان سباق وأحصنة من جنس الموجات الطاقية لهذه الرهانات، فالأحزاب السياسية الطامحة إلى تصدر نتائج الانتخابات أو الفوز أو الحصول على أكبر عدد من المقاعد تعرف بحسب تعبير ماكس فيبر على أي من الفرسان تراهن، لماذا؟ لأن خصائص فرسان السباق في إطار بيئة وسياقات تنتصر فيها المؤشرات والخصائص الشخصية على المؤشرات والخصائص المؤسساتية تلعب دورا مهما وحاسما في التنافس الانتخابي سواء تعلق الأمر بالانتخابات الجماعية أو الانتخابات الجهوية أو الانتخابات التشريعية. صحيح أن للخلفية الحزبية وللبرامج وللملصقات ولآليات التواصل والتسويق السياسيين التي تخترق الحملة الانتخابية دور معتبر في السباق الانتخابي، حيث لا يمكن أن يكتسب السباق بعده الجمالي والمشهدي في غياب هذه العناصر، لكن ثقل ووزن وجاذبية فرسان السباق تبقى عناصر حاسمة، فبدونها يفقد السباق معناه وحقيقته، ففي عالم السياسة والانتخابات كما هو الحال في عوالم الرياضة المختلفة، ما يضفي السحر والفرجة والإثارة والمتعة على عملية التنافس هو وجود نجوم سياسيون يمتلكون خصائص وميزات استثنائية تؤهلهم للقيادة وللتمثيل وللتكلم والتقرير نيابة على من يفتقدون لهذه الميزات والمؤهلات، يتنافسون بشكل شخصي على الجوائز الانتخابية “أصوات ومقاعد”والألقاب “منتخب نائب برلماني رئيس جماعة” وعبارات الإشادة والثناء والتصفيق وتحقيق تطابقات لاواعية بين الفارس “المرشح” وبين المشاهد “الناخب”، الذي يتعين عليه اختيار المرشح الذي أقنعه ونفذ بشخصيته وخطابه ورساميله من عقله إلى قلبه.
الجميع يلاحظ أن المعركة الحقيقية التي تخوضها الأحزاب السياسية على هامش كل استحقاق انتخابي، ليست هي معركة تسويق البرامج التي يمكن أن تتخذ شكل نص إيديولوجي أو منظور معين للتمثيل أو مقاربة خاصة للسياسات العمومية أو القطاعية أو التسويق لحلم معين… وإقناع الناخبين بجدوى هذه البرامج وثراء هذه الشعارات وصدق هذه الوعود، وإنما هي معركة استقطاب تلك العينة من فرسان السباق التي تتوفر على رصيد رمزي وشبكة علاقات وامتدادات ترابية وتمثيلية ومسؤوليات محلية وغيرها من الصفات والمزايا التي تؤهلها لحسم السباق على أصوات الناخبين.
الجميع يعاين هذه الأيام كيف تتهافت الأحزاب السياسية على استقطاب النخب والبروفايلات المؤهلة للفوز، حيث تحول الفضاء السياسي والمشهد الحزبي بالمغرب إلى سوق سياسي مفتوح و”ميركاتو انتخابي مثير” يكشف عن محصلة دالة، وهي أن هناك نوعية من السلع “البروفايلات” لها ميزة خاصة تتمثل في تلك العينات التي يمكن وصف مكوناتها بنجوم الانتخابات أو نجوم السباق الانتخابي، من قبيل البرلمانيون ورؤساء الجماعات الترابية ورؤساء الغرف المهنية والأعيان ورجال المال والأعمال، تحظى باهتمام وتنافس حزبي قد يتحول إلى صراع أو حرب سياسية بين الأحزاب السياسية المتنافسة، ونوعية أخرى من السلع لها عيب خاص، من قبيل الشباب والمناضلين والنساء وباقي البروفايلات التي تعوزها الرساميل الضرورية للتحول إلى نجوم على مستوى فضاءات السباق الانتخابي، يتم الاستعانة بهم فقط لتأثيث المشهد الانتخابي أو لتسجيل الحضور على مستوى بعض الدوائر التي فشلت فيها الأحزاب السياسية في العثور على نجم يستطيع اختصار المشهد الانتخابي في شخصيه أو مركز ثقله.