الانتقال من مرحلة الطفولة إلى المراهقة لا يمرّ بسلاسة، فالمراهقة ليست بتلك البساطة، إنها أشبه بانتقالك من المساحة المخصصة للأطفال في المطاعم إلى ساحة حرب تشتبك فيها مع حبيب لا عدو. الأمر ليس صعبًا على الآباء فقط، بل هو أكثر صعوبة على المراهقين أنفسهم، إذ يعاني هؤلاء كثيرًا من تقلبات المزاج والتحسس الزائد، مما يحتاج منهم إلى كفاح طويل ليتخطوها.
المراهقة مرحلة مضطربة، تنعكس على المحيط العائلي والدراسي، أو حتى عبر مواقع التواصل التي غيّرت مفاهيم المراهقة القديمة.
إن التعامل مع المراهقين ينبغي أن يتمحور حول تنمية إحساس واضح بالذات، يجعل تواصلهم مع آبائهم مبنيا على على أسس قوية من الاحترام والإيجابية لسنوات طويلة. ولعل تشجيع الاستكشاف والفضول، ودعم اختيارات الأطفال، والتوقف عن القلق على مستقبلهم الجامعي، وعدم محاولة فرض حياتك وأحلامك عليهم هي الأسس التي يمكن البناء عليها في تنشئة مراهق قادر على أن يكون شخصًا فعالًا وسويًّا نفسيا واجتماعيا في المستقبل.
لا ينبغي الحكم على المراهق في فترة مراهقته بالفشل أو النجاح، فالعديد من المراهقين تحولوا من نماذج غير مبشّرة إلى ناجحين وقادرين على مواجهة الحياة والتعاطي معها بشكل فعال، كانت النصائح الأبوية هي عماد التحسّن للأفضل في حياة المراهقين، فجعلت حياتهم أهدأ وطورت نموّهم العاطفي والعقلي بشكل ملحوظ.
المراهق يطوّر إحساسًا بهويته، لذا فإن سلوكه الذي قد تراه ضدك أحيانًا هو على الأغلب ليس موجّهًا إليك على الإطلاق، “فالمراهقة هي الفترة التي يبدأ فيها الصراخ الداخلي للطفل، ليعلم الجميع أنه موجود، شخص مختلف عن أبويه، له استقلاليته وفرديته. وهنا، على الأبوين أن يلتزما بالحب والدعم غير المشروط، لأن الصراخ المواجه سيكلف الجميع كثيرا من العناء”.
من بين ردود الفعل عند المراهقين نجد التمرد والاندفاع وحدّة الطبع، ثم الميل إلى الجنس الآخر، كل هذا نتيجة التغيرات الهرمونية والجسدية التي يمرّ بها المراهقون، لهذا ينبغي أن يكون تعامل الوالدين والمربين محاطا بالحكمة والتعقّل، ومركّزا على إشباع حاجات المراهقين النفسية مع هذه المرحلة العمرية الخطرة، ومنها حاجته إلى إثبات الذات، حاجته إلى الحب والانتماء، حاجته إلى التوجيه والترفيه، ثم حاجته إلى التقدير والاحترام.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام غاية في الحكمة للوقاية من أخطار هذه المرحلة، منها التربية على حسن الأخلاق، وتحفيظ الطفل القرآن في أوائل عمره، فإدخال كلام الله تعالى في صدر الطفل من شأنه أن يطهّر قلبه وجوارحه، تعليمه الصلاة وتوجيهه إليها في سنّ السابعة، هذا دون أن أنسى اعتناء الواليدين بصحبة أبنائهم.
ومن علامات دخول الطفل سن المراهقة: الاندفاع، الحزن، الانطواء، العزلة…) ولا بد هنا من التفريق بين المراهقة والبلوغ، قد يتشابهان في بعض العلامات، لكن البلوغ علامة من علامات بداية المراهقة وعادة ما يسبقها. ومن علاماته: خروج المني بشهوة، الحيض عند البنت، ظهور شعر العانة الخشن، تغير الصوت، آلام في الجسم … وتجدر الإشارة إلى أنّ للمراهقة مراحل؛ مرحلة المراهقة الأولى: من الفترة 11-14 عاماً، وتتصف بتغيرات بيولوجية سريعة. مرحلة المراهقة الوسطى: من الفترة 14-17عاماً، وهنا تكتمل التغيرات البيولوجية. مرحلة المراهقة المتأخرة: من الفترة 18-25 عاماً، وفي تلك المرحلة يتحول الفرد إلى إنسان راشد مظهراً وتصرفاً.. وبهذا يمكن القول إن المراهقة هي الفاصل بين الطفولة والرشد. أما البلوغ ما هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة.
بشكل عام يمر الأطفال بمرحلة البلوغ في أعمار مختلفة وبمعدلات مختلفة، فغالباً ما تظهر العلامات الأولى للبلوغ في عمر بين 8-13 سنة لدى الإناث. بينما تحدث التغيرات الأولى في عمر 10-15 لدى الذكور وهذا ما يفسر وجود الاختلافات الملاحظة بين طفلك وأصدقائه خلال هذه الفترة. كذلك لا يمكن التنبؤ بالمدة الزمنية أو فترة البلوغ التي يمر بها الطفل، فهي قد تستمر من 18 شهر إلى خمس سنوات .
في الختام، على الوالدين والمربّين، ألا يضغطوا على الأبناء في هذه المرحلة، بل عليهم أن يكونوا أصدقاء لهم ويعاملونهم بلطف، فإن كان عكس هذا، فقد يسيرون بهم إلى طريق لا تُحمد عقباه. وجب علينا الاستماع للمراهقين وتقبل آرائهم، والتحلي بالصبر والهدوء، ثم تجنب أسلوب الأمر والنهي لتعزيز الثقة المطلوبة بينهم وبين أبنائهم وبناء علاقة سليمة. كما أشير إلى أن كلمة مراهق لا تعني أن أدع إبني يفعل ما يشاء بداعي المراهقة، بل يجب تدريبه وإعداده وتكليفه تكليفا شرعيا.