وقع الكاتب والإعلامي”نور الدين شكردة” أول أمس السبت بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، أي قبل اختتام فعالياته بيوم واحد، روايتيه الجديدتين”راس القليعةـ الخربة رقم 4″و”مقهى درب الحاج إدريس”عن دار النشر أفرا للدراسات والأبحاث، حيث سبق لنفس الكاتب بأن نشر روايته الأولى”درب الجروندي ـ يوميات الجائحة”عن دار النشر مقاربات للصناعات الثقافية.
فالروايات الثلاث،وفق ما كشف عنه كاتبها “للميادين” يحكمها خيط ناظم واحد حيث تمتح جميعها من معجم الفقر وقاموس الهشاشة في قالب كوميدي جعل من دروب وأزقة فاس فضاءات لتحرك شخوص الروايات.
وفي رواية راس القليعة،يجاهد تجار أحد الأسواق اليومية الشعبية الشهيرة (راس القليعة)بمدينة فاس للنهوض من أزماتهم المتلاحقة بعد شهور جائحة كورونا، فينخرطون مجددا في بيع المتلاشيات وتوهم اقتراف التجارة،خاصة بعد عزم المجلس البلدي تحويل السوق الشعبي لملعب قرب ومرآب عموميين، والبحث عن الأحاييل المناسبة لإبعاد تجار لا يجيدون عملا غير بيع ملابس الخردة والأدوات المستعملة.
وقد شكل السوق منذ قرون عديدة المنطقة التي انطلق منها المولى إدريس الثاني مؤسس المدينة لوضع حجر الأساس لبنيان العاصمة العلمية، ولا تزال المنطقة تحتضن عشرات المقابر والشواهد التي تحيل على أسماء الفقهاء والعلماء والوزراء الذين مروا من هناك مع تعاقب الأسر الحاكمة (الأدارسة، المرابطين، الموحدين، المرينيين، الوطاسيين، السعديين والعلويين)، وتحمل الرواية نفسا سرديا تاريخيا على امتداد أجزائها العشرين.
وأمام سوء أوضاع التجارة، ونية المجلس المبيتة للسيطرة على المكان سيتوجه غالبية التجار للتطاول على الآثار واللقى التاريخية وأبواب وممتلكات الزوايا، وسيشكل سرقة منبر جامع الأندلس الأموي عقدة الرواية، إلى جانب تعرض السوق لحريق مفتعل مهول ستسعى الرواية لفك خيوطه وتتبع ألغازه ومحاولة تحديد هوية السارق ومفتعل الحريق.
يتفاعل شخوص العمل بالكثير من النفس الكوميدي الأسود الذي يحاول نفض الغبار عن مآسي فقراء المنطقة ودوامة البطالة التي شلت أفق تفكيرهم وتحركهم، وفي المقابل تحاول الرواية فضح أساليب المنتخبين والمسؤولين وتخطيطهم المستمر للتطاول على رقعة تاريخية مجيدة، وطمس هويتها والمضاربة في مقابرها باعتبارها عقارات تغري بالمزيد من المد العمراني والطوب والإسمنت.
وعن رواية “مقهى درب الحاج إدريس” يرى “شكردة” ان مقاهي فاس التاريخية والحديثة شكلت فضاء لمختلف أحداث الرواية، وما يميز هذا العمل أن زمنه لا يتعدى سويعات قليلة تبدأ من افتتاح مقهى درب الحاج إدريس أو مقهى “الناقوس” إلى حين إغلاقها. شخوص الرواية من حضيض قاع المجتمع الفاسي ورواد مقاهيه الشعبية من متقاعدين ومدمنين ومعطلين (المكي، المدني، السي طه، الراقصة صوفيا، مي الباتول، مي هنية، عبد الجبار…).
يترقب كل رواد المقهى لحظة تغيير واقعهم ويهيمون في تخمين واقع أفضل، تمتد خيوط العمل لمحاولة كشف واقع ساكنة الأحياء الشعبية بعاداتهم وميولاتهم وشتى أشكال انحرافهم، ويركز السارد بشكل كبير على تيمة المقهى كفضاء وذاكرة وتاريخ، وكصورة طبق الأصل من واقع الفقر والتردي والهشاشة للحي الذي تتواجد به، يتعقب السارد شخوص العمل في هواجسهم ومطامحهم ويليهم لبيوتاتهم الحقيرة محاولا الغوص في نفسياتهم وتحليل عقدهم..
تحاول الرواية التصدي لظاهرة الاتجار في الآثار والنفائس القديمة بمدينة فاس ودولة المغرب عموما، فتعدد كل السرقات المشهورة التي سجلت بمختلف المتاحف و”الرياضات” العتيقة، وكل المخطوطات والتماثيل التي غادرت حدود البلد. يتعاظم الأمل في دواخل كل شخوص الرواية ترقبا لمستقبل أفضل، لكن سرعان ما يتهاوى الأمل بجنحة أو جناية أو كساد لتجارة غير شرعية.
يذكر أن “نور الدين شكردة”هو كاتب وإعلامي مغربي ينشط في مجال الصحافة والنشر الثقافي، ويبدي اهتماما كبيرا بالقضايا الاجتماعية والثقافية، كما يشكل تاريخ فاس ودروبها وشخوصها فضاء خصبا لأحداث رواياته.
ويُعتبر “نور الدين شكردة”من الأصوات الثقافية النشطة في المغرب، حيث يدمج بين العمل الإعلامي والبحث الأكاديمي، مع إبداء اهتمام خاص بالتحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع المغربي، فإلى جانب ممارسته لمهنة التدريس فهو حاصل على شهادة الدكنوراه تخصص قانون عام في موضوع حقوق الإنسان الرقمية والنظام العام – دراسة مقارنة-.