الحديث عن مفهوم محدد للثقافة ، أمر يفتقر للسهولة ، خاصة في عصرنا هذا الذي تتهاوى فيه كثير من النظم والأفكار والقواعد المعرفية ، فهي ليست موضوعا علميا واحدا، بل هي مجموعة من العلوم الاجتماعية والتاريخية والفلسفية تتشابك معا في نسيج كلي مع ما توصلت إليه ثورة المعلومات والاتصالات والإنترنت والتكنولوجيا والعلوم المتقدمة ، مضافا إليها الانسان صانع هذه الثقافة ومبدعها ومتلقيها ، فالثقافة جملة ما يبدعه المجتمع على صعيد العلم والفن ومجالات الحياة الروحية الأخرى من أجل استخدامها في حل مشكلات التقدم العلمي ، أو هي “مجمل ألوان النشاط العملي والعلمي للإنسان والمجتمع وكذلك نتائج هذا النشاط ، بارتباطه بأشكال الوعي الاجتماعي : الفلسفة ، العلم ، الأيديولوجيا ، الأخلاق، الدين ، الفن التي سيصيبها –فيما نعتقد- تغيرا عميقا بسبب هذه التطورات والمتغيرات النوعية الهائلة.
على أي حال ، الثقافة كانت وستظل عنوان الوجود المجتمعي في مرحلة محددة –أو أكثر- من مراحل التطور ، تعكس طريقة أو أسلوب النشاط الإنساني الاجتماعي ، وعاداته وتقاليده وأعرافه وقيمه ومعتقداته وتصوراته تجاه الخير أو الشر أو باتجاه عالم الغيب وعالم الواقع ، فالثقافة ثمرة هذا النشاط المادي والروحي للمجتمع الذي يتحدد مستوى تطوره بطبيعية النمط (أو الأنماط) الاجتماعي السائد فيه .
و في عصرنا الراهن فإن الثقافة كلمة تطلق على قيم المجتمع ، و سلوكياته و أهدافه و نظمه الاجتماعية و قواعده الإقتصادية ، و علاقاته الإنتاجية السائدة بين أفراده ، و ما تفرزه هذه العلاقات من علاقات إجتماعية متباينة ، و إلى جانب كل ذلك ، فإن الثقافة تطلق أيضاً على جميع الأفعال و المتغيرات التي تعطي المجتمع طابعاً خاصاً بما في ذلك طريقته في النظر إلى الحياة أو التعامل معها .