تردد على مسامعنا كثيرا، كلام مفاده، أن بلادنا طبّعت مع إسرائيل، وأن الورش نفسه ورشا ملكيا، وهذا الكلام هو سلاح المطبعين في مواجهة مناهضي هذا التطبيع، وهو كلامٌ يراد به اكتساب شرعية ما.
يا سادة، هناك أمرين لابد من وضعهما نصب أعيننا، تطبيع المغرب مع إسرائيل، له إطاره الخاص وسياقه الخاص، والتطبيع داخليا بين باقي المؤسسات جماعات ترابية ومعاهد وغيرها له سياق آخر، فتطبيع المغرب مع إسرائيل، يندرج ضمن سياسة الدولة الخارجية في علاقتها بإدارة ملف الصحراء، التي تعد القضية الأولى للمغاربة، وهو اتفاق يشمل شروطا وتعاهدات، بين ثلاثة أطراف المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، على عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، فيما المغرب يدبر الملف بحذر، بالنظر إلى التغيرات التي طرأت لدى الشركاء، لكنه انتزع اعترافا أمريكيا بمغربية الصحراء، وحقق مكسبا في الملف، لكن لازال ملف تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل يرواح مكانه.
أما فيما يتعلق بالتطبيع الداخلي، فلا يجد له أحدا مبررا، مادام أن المسألة تتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد، واطرافها أنظمة كبيرة، وبالرغم من ذلك، يصر البعض على اقحام بعض المؤسسات الأخرى في الأمر، كما حدث مع عمدة فاس ،الذي هرول بمعية نائبه عزيز اللبار إلى بلدة إسرائيلية وتوقيع بروتوكول اتفاقية توأمة بين مدينة فاس وبلدة كفار سابا الإسرائيلية ، وحينما وجهت إلى العمدة انتقادات بسبب هذه الاتفاقية، ثارت ثائرته، وأصبح يستخدم ذلك الخطاب، الذي تحدث عنه كون المغرب داخل في عملية التطبيع من أعلى هرم في الدولة، وكيف تفسر السيد العمدة، الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس يوم أمس الأحد إلى المشاركين في المؤتمر رفيع المستوى لدعم مدينة القدس، الذي تنظمه جامعة الدول العربية بالقاهرة، وباعتبار جلالته رئيسا للجنة القدس دعاإلى إقامة تحالف عالمي يجمع كل القوى الحية الملتزمة بالسلام والمؤمنة بقيم التسامح والتعايش، من أجل إنقاذ مدينة السلام، والحفاظ على موروثها الحضاري والإنساني المشترك. وللاطلاع أكثر على تفاصيل الرسالة ( الملك يدعو إلى إقامة تحالف عالمي لإنقاذ القدس والحفاظ على موروث المدينة (hespress.com) ).
وكي نذهب بعيدا مع سيادة العمدة الذي يدافع بشراسة عن هذه الاتفاقية، وكأنها مشروع سيأتي بمنافع كثيرة على المدينة ومواطنيها، كان حريا به انتظار تطبيع العاصمة الرباط مع عاصمة إسرائيل، ووقتذاك سيجد لكلامه الفارغ مبررا.
أما بخصوص المنافع السياحية، فإن مدينة فاس ،كانت دائما وجهة مفضلة لسياح اليهود من مختلف أنحاء العالم، ولا حاجة لنا في بيع تاريخ المدينة ورمزيتها الدينية نزولا عند رغبة بعض المنعشين السياحيين، من لن يرف لهم جفن، حتى ولو باعوا البلاد والعباد من ازدهار تجارتهم، هذا دون أن ننسى ان توقيع مذكرة التفاهم وزيارة العمدة ونائبه عزيز اللبار لإسرائيل، كانت في بداية شهر دجنبر الماضي، خلال انشغال المغاربة بفرحة إنجازات المنتخب الوطني في كأس العالم بقطر، وهذا ان دل على شيء فإنه يدل على أن العمدة ونائبه استغلوا فرحة المغاربة وانشغالهم، وطعنوا المواطن الفاسي في ظهره، بتوقيع اتفاقية التوأمة مع البلدية الإسرائيلية.
ختاما فلكل مقام مقال، وتطبيع الدولة في إطار سياستها الخارجية، لا علاقة له، بتطبيع داخلي، تطرح علامات استفهام كبيرة حول أهدافه والمهندسين الذين يقفون خلفه، من المغاربة والاسرائليين، ومراميه ،في الوقت الذي يصر عاهل البلاد على حماية حقوق الفلسطينين وعاصمتهم القدس.