يعد النهوض بتدريس مادة اللغة العربية في مناهجنا وممارساتنا الصفية هو نهوض بالعملية التعليمية التعلمية ككل، لأن اللغة العربية هي لغة التدريس بالمغرب في كثير من المواد، ولهذا فإن أي تقدم حاصل في درس العربية، وفي أي مكون من مكوناتها سينعكس بالإيجاب على المتعلم في كل المستويات التعلمية. ولا يمكن أن نجوّد ونطوّر من دروس اللغة العربية إلا بالوقوف على تجويد وتطوير الممارسات الصفية وكيفية التعامل مع هذه المكونات وإعادة النظر في البرامج التعليمية.
إن تطوير تدريس مكون النصوص ضمن مادة اللغة العربية في السلك الثانوي التأهيلي يستوجب الوقوف أمام متطلبات تلاميذ هذه المرحلة وفهم حاجياتهم وتعثراتهم، بشيء من العمق والتحليل والتفسير، لهذا ارتأيت أن يكون موضوع مقالي هذه المرّة؛ حول تدريس النص النقدي، لمعرفة الطريقة التي يدرس بها هذا النص، ومعرفة أهم الصعوبات والعراقيل والتعثرات التي تواجه تلاميذ السلك الثانوي التأهيلي في دراسته بشكل عام، وتلاميذ السنة الثانية بكالوريا آداب بوجه خاص.
النص النقدي
للنص النقدي مكانة جد مهمة في منهاج اللغة العربية بالتعليم الثانوي التأهيلي، إذ نجد نصوصا نظرية في بداية كل وحدة من الوحدات، يتم بها التمهيد للنصوص الإبداعية، وقد اعتبرت نصوصا نظرية، بينما هي نصوص نقدية، تعرف بالخطابات الشعرية وبأسسها ومقوماتها، وتمهد لها مثل نص انبعاث الشعر العربي لمحمد كتاني، ونص الشعر الرومانسي لعبد المحسن طه بدر، ثم نص قضايا الإطار الموسيقي للقصيدة لعز الدين إسماعيل، وأخيرا قصيدة الرؤيا لأحمد سعيد أدونيس. كما نجد في المجزوءة الأخيرة من هذا المنهاج مناهج نقدية حديثة في المجزوءة الرابعة وهما منهجين اثنين، “منهج اجتماعي وآخر بنيوي” ، كما نجد نوع آخر من النصوص وهي النصوص التطبيقية، التي تطبق آليات المناهج النقدية المدروسة في مقاربتها لنصوص الأدب. وبالموازاة مع مكون النصوص يدرس تلاميذ السنة الثانية بكالوريا آداب النقد في مكون المؤلفات أيضا، من خلال مؤلف نقدي “ظاهرة الشعر الحديث “لأحمد المعداوي المجاطي.
ما يواجهونه تلاميذ السنة الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية من صعوبات وعراقيل في دراسة النص النقدي، قد يكون راجعا لعدم التعرف على مثل هذه النصوص في السنوات السابقة بالطريقة المرجوة، الشيء الذي يحول دون تفاعلهم وتواصلهم الفعال مع هذه النصوص وفهمها فهما جيدا. كما يواجه المدرس أيضا مجموعة من الصعوبات في تدريس هذه النصوص.
لقد تم تقسيم منهاج السنة الأولى بكالوريا إلى أربع مجزوءات أساسية، حيث يشترط في النماذج المختارة أن تكون ممتثلة لخصائص الفنون النثرية، ومبلورة للقضايا النقدية والأدبية ومساعدة على استيعابها بكل وضوح وجلاء. فموضوع المجزوءة الأولى: الشعر العربي القديم بين التعبير عن الذات والتعبير عن الجماعة. أما المجزوءة الثانية: الشعر العربي القديم ومظاهر التحولت، ثم المجزوءة الثالثة: بنية النص النثري القديم ووظيفته. وأخيرا المجزوءة الرابعة: قضايا أدبية ونقدية، وتشمل نصوصا تجسد القضايا التالية :(عمود الشعر العربي، أغراض الشعر العربي، التخييل الشعري، اللفظ والمعنى، الطبع والصنعة، الموازنة بين الشعراء).
وقد تم تصنيف قضايا عمود الشعر، وأغراض الشعر، والتخييل الشعري، ضمن قضايا أدبية . بينما تم تصنيف قضايا” اللفظ والمعنى، والطبع والصنعة، والموازنة بين الشعراء، ضمن قضايا نقدية”.
وقد اختيرت مجموعة من النصوص لدراسة هذه القضايا في “كتاب الممتاز في اللغة العربية”: نص ” عمود الشعر” للمرزوقي، المقتطف من مقدمته، شرح ديوان الحماسة. ثم نص الأغراض الشعرية لحازم القرطجاني. إضافة إلى نص التخييل الشعري لابن سينا.أما في كتاب النجاح في اللغة العربية فنجد النصوص الآتية: نص ” أبواب الشعر” للمرزوقي. ثم نص “أغراض القصيدة العربية “لأبي محمد عبد الله بن قتيبة ضمن كتابه “الشعر والشعراء”. كذلك نص “الصدق و الكذب على التخييل”، لعبد القاهر الجرجاني، المقتطف من كتابه أسرار البلاغة. بينما اختيرت للقضايا النقدية في كتاب النجاح في اللغة العربية، النصوص التالية: نص اللفظ و المعنى، لعبد القاهر الجرجاني، المقتطف من كتابه دلائل الإعجاز، ثم نص المطبوع والمصنوع، لابن رشيق القيراواني المقتطف من كتابه ” العمدة في نقد الشعر”. دون أن أنسى نص الموازنة بين الطائيين في الافتتاح بذكر الوقوف على الديار، من كتابه “الموازنة”. أما في كتاب الممتاز في اللغة العربية، فنجد النصوص التالية:
نص اللفظ و المعنى، لعبد القاهر الجرجاني.، نص الطبعة والصنعة لابن قتيبة، نص الموازنة بين أبي تمام و البحتري، للأمدي. كما تم اعتماد مؤلف نقدي لعبد الفتاح كيليطو “الأدب والغرابة.
أما النص النقدي في كتاب الجذع المشترك لم تول له أهمية بالرغم من وجود نصوص نثرية وشعرية قديمة تناسب توظيفه للتعريف بها مثلا وبخصائصها، على الأقل توظيفه في نصوص قديمة نظرية، أو أقوال نظرية مثلا في التعبير والإنشاء، وبهذا يتم التمهيد لنصوص نقدية من بعد. فهذا المنهاج لم يهتم بالنص النقدي لا في نصوصه الأساسية، ولا في التقديم للنصوص الشعرية. فقد كانت هنالك إمكانية لإدراج النص النقدي في مجزوءة من مجزوءات هذا المنهاج، وهي مجزوءة الحجاج، خاصة أن نصوص هذه المجزوءة تعتمد على الحجاج والإقناع، وذلك باقتراح نص نقدي حجاجي حول قضية من القضايا التي اختلف بشأنها النقاد القدامى، مثل قضية اللفظ والمعنى، وذلك بشرط أن يكون النص مناسبا لمستوى المتعلم.
فمؤلفي هذا الكتاب لم يعملوا على إدراج المناهج النقدية داخل هذه السلسة، فقد اكتفوا بمجزوءة الحكي والحجاج والشعر العمودي، و ونعتبر هذا تقصيرا في حق هؤلاء التلاميذ.
بعد تكوين صورة عامة عن مسارات النقد وكيفية إدراجه في البرامج الدراسية في السلك الثانوي التأهيلي، أتساءل عن ما مدى نجاعة توزيع النصوص المختارة التي ذكرناها سابقا؟
الكتاب المدرس
للكتاب المدرسي أهمية كبيرة في العملية التعليمية التعلمية، وذلك بكونه “وسيلة ديداكتيكية منظمة لمحتوى مادة دراسية حددت موضوعاتها مسبقا انطلاقا من أغراض وأهداف معينة، حسب برنامج دراسي يلزم المدرس والمتعلم تطبيقه.” فالكتاب المدرسي” ليس وسيلة فقط، بل هو جوهر العملية التعليمية التعلمية لكونه هو المحدد الأساسي للمعلومات التي ستدرس للتلاميذ كما وكيفا” .
أول ما سجلته من ملاحظات في هذا الصدد تتعلق بعدم إدراج النقد الأدبي في الجذع المشترك، أي السنة الأولى من السلك الثانوي التأهيلي، وهو ما ينتج في نهاية السنة متعلما غير قادر ولا يملك الاستعداد الكافي لتحليل نماذج النصوص النقدية في السنة الأولى بكالوريا، والتي كتبها نقاد بارزون في الساحة النقدية، فإذا كان هذا التغييب للنقد الأدبي في الجذع المشترك ،نظرا لأن مستوى التحصيل العلمي أو الاستعداد الإدراكي للمتعلم لا يسمح، فنصوص الأولى بكالوريا تضعف هذه الفرضية، لأن النصوص النقدية المختارة في السنة الأولى بكالوريا تتطلب متلقيا له دراية ومعرفة مسبقة بالنصوص النقدية العربية القديمة، وهذا الشرط للأسف لا يتوفر لا في التلميذ القادم من السنة الأولى من السلك الثانوي التأهيلي، ولا في تلميذ السنة الأولى بكالوريا الذي تراكمت عليه المجزوءات الثلاث، وما احتوت عليه من قضايا. وكل هذه القضايا التي تم طرحها في هذا المنهاج لم تراعي الفئة المستهدفة لأن النقد القديم يحتاج أولا إلى وقت طويل في عملية تدريسه، فالمتعلم هنا عليه أن يعرف المراحل الكبرى التي قطعها النقد الأدبي خلال عصوره المختلفة، ومن جهة أخرى فهذه المواضيع في حاجة لقدرة التلميذ على التفكير النقدي.
وهذا صعب لأنه يحد من فاعلية تلقيه لمثل هذه النصوص، فالتلميذ لم يصل بعد إلى الحد الذي يتوفر فيه على أدوات تساعده على فهم وسبر أغوار هذه النصوص.
والسبب الرئيسي هنا يعود بالدرجة الأولى إلى طبيعة الموضوع النقدي من ناحية، وطبيعة النصوص المختارة الموجهة لهذه الفئة من التلاميذ من ناحية أخرى. كما أن التقسيم الذي تم اعتماده في هذا المنهاج لا يبدو مقنعا، لأن العناوين المدرجة ضمن ما اصطلح عليه ب”قضايا أدبية” وهي قضايا نقدية أيضا، بغض النظر عن ذلك فالمتأمل لهذه النصوص، يلاحظ أنه تم حذف فقرات مهمة من النصوص الأصلية، وتم التصرف فيها، ما يؤكد عدم مراعاة شروط النقل الديداكتيكي، وعدم المحافظة على وحدة النص النقدي وتماسكه، ومن زاوية أخرى فالطابع الطاغي في الكتاب المدرسي الخاص بالسنة الأولى بكالوريا هو طابع تكريس المعلومات، وشحن ذهن التلميذ بالمعارف الجاهزة، دون أن تترك له الفرصة لتنمية طاقاته وممارساته النقدية والتحليلية التي من الممكن أن تفتح أمامه فرصة للتفاعل مع النص الأدبي.
ولعل هذه الملاحظات المسجلة في مكون النصوص تنطبق على مكون المؤلفات أيضا، فيمكننا مناقشة كتاب “الأدب والغرابة” الموضوع في السنة أولى بكالوريا الذي لم يكن اختياره صائبا، ولا متوافقا مع أفق انتظارات المتعلمين، ففي هذا المؤلف النقدي يشرح ويبسط عبد الفتاح كيليطو آراءه الدقيقة حول الأدب، والنوع الأدبي، وتصنيف الأنواع وشرحها وتوضيحها شرحا تاما، وبحث في تاريخ الشاعر وفي البلاغة، وغيرها من المفاهيم الإشكالية، إضافة إلى تقديمه تحليلات تأويلية طريفة لنصوص من التراث القديم.
والمؤكد أن الهدف من كتاب كيليطو هو تثبيت المعرفة النقدية، أما بالنسبة لقارئ هذا المؤلف فوجب أن تتوفر فيه مجموعة من الصفات لكي يفهم ما يرمي إليه المؤلف، منها توفره على ذاكرة معرفية غنية، لكي يكون قادرا على مواكبة ما يقدم له من معرفة نقدية. ولعل هذا الشرط لا يتوفر إلا في القارئ المتخصص، الذي له تجربة كبيرة في قراءة كتب النقد والأدب وغيرها من العلوم والمعارف الإنسانية العامة. لكن هل يجدر بنا إقراء هذا الكتاب لمتعلمين لم يسبق لهم أن اطلعوا على أي كتاب نقدي في تجربتهم القرائية؟ فالإجابة واضحة جدا. وهي أن هذا الاختيار كان غير صائب بحكم معارضته للمبادئ التربوية، التي تؤكد على مراعاة التوافق بين المعرفة وسياق التعلم ومستوى المتعلم.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الاختيارات غير الصائبة تحول دون تحفيز وتشجيع التلاميذ على القراءة والمطالعة التي يعاني سياقنا التعليمي من النقص فيها، ذلك أن المتعلم في حاجة ماسة إلى معرفة أفكار يفهمها وتتناسب مع قدرته الاستيعابية والمعرفية، وإذا فرضت عليه مثل هذه المؤلفات التي لا يفهمها يهجر قراءتها، ويستعين بالكتب الموازية لمجاراة أنشطة الفصل عبر التلخيصات والأعمال الجاهزة على الشبكة الإلكترونية.
الدروس النقدية في برامج الأولى بكالوريا
وبخلاف ما يتوفر في برامج الأولى بكالوريا، تبدو الدروس النقدية المقررة بالسنة الثانية بكالوريا، ملائمة لسياق التعلم، وذلك عائد حسب وجهة نظرنا إلى الارتباط الوثيق بين النصوص النقدية والإبداعية، فقبل أن يشرع المتعلم في سبر أغوار خطاب من الخطابات الإبداعية، يطلع على نص نقدي /نظري يقدم ذلك الخطاب ويعرف به ويبين خصائصه ومقوماته. وهذا يتكرر مع ستة خطابات إبداعية في الكتاب المدرسي “الخطاب الشعري الإحيائي، الاتجاه العربي الرومانسي، تكسير البنية الشعرية، القصة القصيرة، المسرحية”، كما هو الحال في الخطابين النقديين الأخيرين “المنهج البنيوي والاجتماعي” يتعرف المتعلم على نصين نظريين يقدمان المنهجين المقررين قبل الانتقال إلى تطبيقهما على نصوص أدبية، ولعل النقطة الإيجابية في هذا الترابط بين النقد وموضوعه، تتحدد في تقييد النص النقدي بموضوعه الأساسي وتوضيح وظائفه في صورة عملية تطبيقية في المقام الأول. ناهيك عن التكامل بين محتويات المؤلف النقدي “ظاهرة الشعر الحديث” ومحتويات الدروس الشعرية في مكون النصوص، فمن خلال تظافرهما المعرفي والمنهجي، تتكون الصورة العامة للتحولات التي عرفها الشعر الحديث سواء على مستوى السياق أو البنية أو الموضوع. وأخيرا تم اختيار نصوص ملائمة في عمومها في مستويات اللغة والبناء وطريقة التقديم. لكن ما يؤاخذ على هذا المنهاج هو الحيز (داخل الكتاب/المقرر) الذي وضعت فيه المناهج النقدية، باعتبارها مناهج جد مهمة وسيمتحن فيها تلاميذ السنة الثانية بكالوريا.
وما ينبغي التأكيد عليه في هذا المبحث أن اختيار نصوص النقد بما فيها المؤلفات وكيفية إدراجها وتوزيعها في الكتب المدرسية، هما عمليتان تخضعان لرؤية قائمة على مستوى المتعلمين وتحصيلهم الدراسي، واستعدادهم للتلقي المعرفي والمنهجي، هذا بالإضافة إلى ضرورة الانتباه إلى التكامل مع المكونات الدراسية داخل مادة اللغة العربية ككل من جهة أولى، ومن جهة ثانية ضرورة الانتباه إلى التناسق المرحلي المتدرج في المعرفة النقدية المقدمة إلى المتعلم من جهة ثانية.
إذن هذه من أهم الأسباب الكامنة وراء نفور التلاميذ من النصوص النقدية، فالنصوص النقدية لا تراعي أفق انتظار التلاميذ في عملية التلقي والتقبل، فإن قمنا بوصف عام للمناهج النقدية، والوقوف على ما تم تقديمه في المنهاج الدراسي من قبل المؤلفين من نصوص نظرية وأخرى تطبيقية، فإنّ أول ما يمكن ملاحظته هو الحيز المكاني الذي وضعت فيه هذه المناهج، حيث ساهم هذا الحيز بطريقة غير مباشرة في عدم تفاعل التلاميذ معها، خاصة وأن تلاميذ السنة الثانية بكالوريا مطالبين بامتحان وطني، لذا فهم يغادرون المؤسسات التربوية قبل إنهاء المقررات الدراسية، نظرا لكثرة الدروس مقارنة مع عدد الحصص، وإن تم إنهاء المقرر يتم بسرعة دون فهم أغلب التلاميذ لهذه المناهج ودون الوقوف على تعثرات التلاميذ فيها. من الممكن أن نقترح هنا أن يعتمد المتعلم على نفسه في البيت ويتمم المقرر، لكنه لا يمتلك ما يكفي من الكفايات التواصلية التي ستساعده على فهم وشرح وتحليل هذه النصوص بشكل فردي.
أما بخصوص الطريقة التي قدمت بها هذه المناهج فكان من الأفضل تقديم المنهج البنيوي على المنهج الاجتماعي، خاصة وأن المتعلم يجد صعوبة في فهم هذه المناهج وخاصة المنهج البنيوي لأنه لا يكشف عن كل ما بداخله، بل وجب على المتعلم أن يقوم بالكشف عن أسراره.
أما بخصوص نصوص المنهج الاجتماعي كما هو معلوم، فهذا المنهج انبثق من رحم المنهج التاريخي فالسؤال المطروح هنا إلى مؤلفي الكتاب المدرسي، بما أن التعريف الذي تم تقديمه في الكتاب المدرسي للمنهج الاجتماعي يوضح العلاقة بين المنهجين فلماذا تم فصل المنهج التاريخي عن المنهج الاجتماعي، ولم يتم دمجهما معا، ففي الممتاز على سبيل المثال تم وضع عنوان عريض للمنهج الاجتماعي، ما يعني أن نجد نصوصا تجاوز بين الاثنين والتي تدل على عدم الاختيار الصحيح للنصوص.
أما فيما يخص التمهيد الذي وضع في الكتاب المدرسي بمثابة إطار عام للتعريف بالمناهج، فلم يتم فيها شرح بعض المصطلحات النقدية التي سيجد التلميذ صعوبة في فهمها. فالتمهيد هو اللبنة الأولى التي سيبني فيها التلميذ معارفه بخصوص هذه المناهج، أي ليست لديه معرفة مسبقة بها، والتمهيد هو المنطلق الأساسي الذي سيستطيع التلميذ أن يبني من خلاله أرضية معرفية للتفاعل مع النصوص المقررة داخل المنهاج الدراسي.
النصوص النقدية بالسنة الثانية بكالوريا
من وجهة نظري فالنصوص المقررة في الكتاب الدراسي الخاص بالسنة الثانية بكالوريا، هي نصوص تدرس بطريقة سكونية تقدم المعارف الجاهزة للتلميذ، وذلك كله من خلال التعريف بالكاتب وحياته وبمؤلفاته، انتقالا إلى الشرح اللغوي أي شرح الكلمات الصعبة، وصولا إلى القراءة المنهجية بمختلف مراحلها، وهذه الطريقة وإن كانت تدل على شيء فهي تدل على تلك المعارف التي وجب على التلميذ أن يكون على دراية بها، ما يمكن التلميذ من الحصول على كل شيء دون أي مجهود وفي نفس الآن لا يحصل على شيء. في حين أن إشراك التلميذ في العملية التعليمية لبناء تعلماته مهم جدا، وأول ما يشترط في هذه العملية هو أن يقرأ التلميذ تلك النصوص الأدبية قراءة منهجية وتحليلها وفهمها، باعتباره هو محور أساسي وطرف رئيسي في العملية التعليمية التعلمية، وليس مجرد مستهلك ومتفرج سلبي.
أنسل من هذا المنعطف وأحاول اقتراح حلول تم استنتاجها مما سبق؛ فتطوير وتجويد الممارسة الصفية يرتبط بالمدرس، المدرس/ة له الدور الأكبر في نجاح تدريس النص النقدي، فهو وحده الذي يستطيع بتجربته وخبرته وممارسته للمهنة، أن يعالج الثغرات والتعثرات الحاصلة في اختيار النصوص المقررة، وكذلك اختيار الطريقة والمنهجية المناسبة من أجل نقل ديداكتيكي فعال لهذه النصوص هذا من جهة، ومن جهة أخرى دور المدرّس/ة يتضح جليا في تحفيز المتعلمين وتشجيعهم على تلقي هذا النوع من النصوص، عن طريق تشويقهم إلى أهميتها ووظيفتها في إضاءة النصوص الإبداعية. كما أن دوره يتضح أيضا في قدرته الخاصة على الربط بين المجزوءات، ووضع المتعلمين في سياق النص وربط هذا النص بعلاقاته مع النصوص الأخرى.
هذا دون أن أنسى التدرج في وضع النصوص النقدية في الكتاب المدرسي والتمهيد لها منذ السنة الأولى من السلك الثانوي التأهيلي. وذلك عن طريق إضاءة النصوص الشعرية والنثرية بنصوص نقدية في بداية كل مجزوءة تعرف بها، أو أقوال نقدية لبعض النقاد في مرحلة القراءة المنهجية، أو أنشطة التقويم. كما أشير إلى اختيار نصوص نقدية ملائمة للفئة المستهدفة ولمستوياتهم المعرفية، وعدم التصرف في النصوص المختارة بشكل يخل بتماسك أفكارها ووحدتها. وإن كان من الضروري التصرف فيها فينبغي أن يكون هذا الأخير لأهداف تربوية وبيداغوجية.
كما يجب الحرص على الربط بين النصوص النظرية النقدية والنصوص الإبداعية، حتى يدرك المتعلم أن الهدف من النصوص النقدية هو التعريف بالنصوص الإبداعية وتقويمها والكشف عن عناصرها الفنية ومقوماتها. ثم مراعاة الترابط والتكامل بين المجزوءات والوحدات، وذلك بأن تكون النصوص النقدية تعالج قضايا تنسجم مع النصوص الإبداعية في منهاج السنة الأولى بكالوريا من سلك الثانوي التأهيلي، كما هو الحال في منهاج السنة الثانية بكالوريا من شعب الآداب والعلوم الإنسانية. إضافة إلى النقل الديداكتيكي للنصوص الذي يجب أن يكون ملائما، وذلك بنقل النص من سياقه النقدي الأدبي، إلى سياقه التعليمي مسطرا في ذلك مجموعة من الأهداف الواضحة ومراعيا في ذلك المستوى المعرفي للمتعلمين، معتمدا طرقا ومنهجيات واضحة تمكن المتعلم من أن يتعلم ما ينبغي أن يتعلمه، من أجل بلوغ الأهداف المرجوة والوصول إلى الكفايات الموضوعة .