مر حتى الآن حوالي ثلاث سنوات عن توقيع إتفاقية شراكة لتمويل وإنجاز برنامج تثمين المدينة العتيقة لمكناس( 2019-2023) بقيمة مالية تبلغ 800 مليون درهما، عقب إدراج العاصمة الإسماعلية ضمن الاتفاقيات الأربع المرتبطة ببرامج تأهيل وتثمين المدن العتيقة بسلا ومكناس وتطوان والصويرة،والتي أشرف الملك محمد السادس على توقيعها بمدينة مراكش في الـ22 من شهر أكتوبر2018، حيث استبشر حينها المكناسيون خيرا، لكن بعد مضي أزيد من سنتين عن بداية تنفيذ مشاريع التثمين بداية سنة 2019، تحول الحلم إلى استياء وقلق كبيرين لدى ساكنة مدينة مكناس، وذلك بسبب البطء الشديد في سير الأشغال ، ولا سيما في بعض الأماكن التي تعتبر حيوية للتنقل داخل المدينة العتيقة.
فبعد انطلاق العمل بمختلف الأوراش منذ بداية سنة 2019 حتى الآن ، لم يعد يفصلنا عن نهاية المدة المحددة للبرنامج سوى سنة و بضع شهور، حيث كشفت المعطيات على الأرض بأن الأشغال تسير ببطء في ظل تأخر ملموسين في الإنجاز، خاصة بالأبواب الرئيسية التي تؤدي للولوج إلى الأحياء ، و كذا “باب القصدير” المؤدي لحي الزيتون، حيث شهد هذا الباب إغلاقا تواصل لأكثر من سنتين، فيما جرى تعطيل الطريق التي تسمح بالولوج للحي لأكثر من سنة ونصف، شأنها شأن المخرج الطرقي لنفس الحي والتي توقفت فيها حركة السير والجولان لأزيد من خمسة أشهر بدون طائل على مستوى الإنجاز.
تعثر أشغال تثمين المدينة العتيقة لمكناس واحتمال تأخرها عن موعدها المحدد لإنهاء الأشغال ، باتت تسائل جميع الجهات المتدخلة في المشروع والمعنية به، ومن ضمنها، جماعة مكناس وجماعة مشور استينية ، بصفتهما صاحبتي مشاريع برنامج تثمين المدينة العتيقة مكناس ، كل في دائرة نفوذه الترابي ، بالإضافة إلى وكالة التنمية ورد الإعتبار لمدينة فاس صاحب المشروع المنتدب.
فهل سيعيد المشروع الملكي لتثمين المدينة العتيقة لمكناس، نفس سيناريو مشروع إنقاذ مدينة فاس والذي تسبب في غضبة ملكية ليلة خطاب المسيرة الخضراء في السادس من نونبر 2014، هزت كل المتدخلين المعنيين ببرنامج إنقاذ فاس العتيقة، الذي أعطى الملك انطلاقته في الرابع من مارس من سنة 2013، وكان يتوخى منه ترميم وإعادة تأهيل المآثر التاريخية ومعالجة المساكن المهددة بالانهيار وسط المدينة العتيقة، حيث تأخر هذا المشروع عن موعده بأزيد من سنتين.
هذا وعاشت مدينة مكناس عقب الإعلان عن مشروع تثمين نسيجها العتيق، سجالا ساخنا بسبب قيمة الغلاف المالي المخصص لهذا البرنامج، والذي وصفوه حينها “بالهزيل”و”غير الكافي”، وذلك بالنظر لشساعة مساحة النسيج العتيق للمدينة القديمة الذي يزيد عن 275 هكتار، علاوة عن تعدد النفائس والمعالم العمرانية والمعمارية بها، وهو ما ردت عليه حينها الجهات المتدخلة والمعنية بالمشروع، بأن مبلغ الاتفاقية التي وقعها أمام الملك باعتبارها الدفعة الأولى في انتظار تعبئة مبالغ مالية مهمة لمواصلة برامج التأهيل والتثمين، همت مساهمات الشركاء العشر لجماعة مكناس والمحدد في800 مليون درهم، مما سيساهم بحسب نفس الجهات في تغيير ملامح المدينة ورد الاعتبار لتراثها التاريخي وتحسين الجاذبية السياحية والاقتصادية للمدينة العتيقة، خصوصا أن العاصمة الاسماعلية استفادت من برامج موازية سابقة، منها اتفاقية معالجة الدور الآيلة للسقوط وُقعت سنة 2017، بقيمة 250 مليون درهم، سلمت أشغالها لشركة العمران، بغرض التدخل في 3350 دار مهددة بالانهيار بالنسيج العتيق لمكناس، تليها اتفاقية مع الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بقيمة 100 مليون درهم لتجديد شبكة تطهير السائل وقنوات الماء وشبكة الكهرباء، إضافة إلى اتفاقية ثالثة مع وكالة إنقاذ جهة فاس – مكناس، قيمتها تزيد عن 50 مليون درهم لصيانة المآثر التاريخية، فيما تبقى أهم اتفاقية بحسب ما أعلن عنه في وقت سابق عبد الله بوانو الرئيس السابق لجماعة مكناس عقب مراسيم التوقيع على مشروع تثمين المأثر التراثية للعاصمة الإسماعية، هي تلك التي نجحت جماعته في الحصول على توقيع وزير الداخلية عليها الصيف الماضي، وتخص عملية تأهيل الطرق والمدارات الخارجية للمدينة بمبلغ 395 مليون درهم، وهو ما انعكس خلال ولاية عبد الله بوانو المنتهية في شتنبر 2021، على جمالية الطرق وحالة السير والجولان بالمدار الحضري لمدينة مكناس.
وكان عمدة مكناس السابق عبد الله بووانو، قد أشاد حينها بالالتفاتة الملكية تجاه النسيج العتيق لمدينته، كما نوه وقتها بما وصفه “بالدور الكبير، لوزير الداخلية آنذاك عبد الوافي لفتيت، والذي وافق على تقديم مساهمة وزارته في مشاريع الترميم والتأهيل والتي خضعت لها المدينة العتيقة لمكناس، حددت في مبلغ 60 مليون درهم، بعدما تأخرت وزارات كبرى في التفاعل مع هذا الورش الكبير، أعقبتها في منتصف شتنبر 2018، بصدور دعوة مستعجلة من الداخلية، لحضور مسؤولين من مكناس لاجتماع شارك فيه ممثلون عن قطاعات حكومية ومتدخلون في النسيج العتيق لعدد من المدن المغربية التاريخية، أسفر عن إدراج مدينة مكناس ضمن الاتفاقيات الأربع المرتبطة ببرامج تأهيل وتثمين المدن العتيقة بسلا ومكناس وتطوان والصويرة.