كشف الموقع الرسمي للمحكمة الدستورية في الرباط، بأن رئيسها محمد أمين بنعبد الله، استقبل يوم الخميس الماضي، وفدا طلابيا عن “جمعية برلمان الطلبة المغاربة بتولوز”، وذلك في إطار جولة دراسية بالمغرب من بين أهدافها الاطلاع على القضاء الدستوري المغربي و مراحل تطوره و المكانة التي يحتلها داخل المنظومة القضائية.
هذا وأجمعت كل آراء المختصين و بحوث المهتمين، على أن “النموذج المغربي” للقضاء الدستوري، يحتل مكانة متميزة إقليميا ودوليا، حيث لم يحد المغرب عن هذا “المسلسل التطوري الطويل في التأسيس “التدريجي” لمؤسسة القضاء الدستوري، حيث سجل حضوره في أول مشروع للدستور 1908، والذي نبه إلى ضرورة وجود رقابة على القوانين التي تنفذ من طرف “مجلس الأعيان” le- conseil des notables-، لينتقل مع دستور 1962 إلى مرحلة التأسيس عبر بوابة “لجنة دستورية مؤقتة”، وبعدها ظهور “الغرفة الدستورية” التابعة للمجلس الأعلى المحدث سنة 1957، حيث أنيطت بهذه الغرفة مهمة الرقابة الدستورية للقوانين التنظيمية والنظام الداخلي للغرف وخصوصا النظر في النزاعات الانتخابية وعمليات الاستفتاء.
لكن وبسبب ضعف المكانة والآليات القانونية المتاحة لفعل “الغرفة الدستورية”، وبالتالي غياب القرارات الحاسمة والمؤثرة، وهو الأمر الذي عجل بدستور 1992 بإلغاء نظام الغرفة وتعويضها ب “المجلس الدستوري” الشبيه من حيث الاختصاص بالمجلس الدستوري الفرنسي لكنه يختلف من حيث التركيبة والهيكلة.
هذا الإحداث للمجلس الدستوري، جاء في خضم التطورات الإيجابية التي عرفها المغرب منذ بداية التسعينات من القرن العشرين الماضي، فبعد “المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان” ومشروع إحداث المحاكم الإدارية،” يأتي التعديل الدستوري لسنة 1992 ، والذي أعقبته عملية التأسيس القانوني في 20 فبراير 1994 “للمجلس الدستوري” كتتويج لهذه الآليات الموظفة لإرساء وفتح عهد جديد في المغرب.
وبهذا أصبح “المجلس الدستوري” وبعد التأكيد عليه في دستور1992 يحتل “المكانة الرابعة في سلم المؤسسات الدستورية”)، باعتباره “هيئة مستقلة” عن القضاء العادي تتمتع بالإضافة إلى الاختصاصات السابقة للغرفة، ولأول مرة في المسلسل الدستوري المغربي، بسلطة الرقابة الدستورية على القوانين العادية” التي تعتبر اختصاصا رئيسيا لكل قضاء الدستوري، حيث تجلت المظاهر الأولى لهذه الاستقلالية، في كون هذه الوضعية الجديدة تم تعزيزها، من جهة، بالدستور نفسه حيث خصص للقضاء الدستوري- في شكل المجلس الدستوري- بابا خاصا به مختلف عن الباب المخصص للقضاء العادي، ومن جهة أخرى بالقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستور.
على مستوى الاستقلال الإداري والمالي للمجلس، نجد أن “المصالح الإدارية واختصاصاتها تحدد بقرار من رئيس المجلس الدستوري، وأن “رئيس المجلس هو الآمر بصرف اعتماداته، وله أن يعين الأمين العام آما بالصرف وفق الإجراءات والشروط المنصوص عليها في القوانين والأنظمة المعمول بها في هذا المجال.
و لعله مما زاد من استقلالية مؤسسة المجلس الدستوري، كون سلطة قراراته أصبحت “معبر عنها بشكل واضح وصريح” بحيث أخذت بمقتضى الفصل 81 من الدستور- صفة “القطعية والنهائيةdéfinitives-، وبالتالي أصبح لها حجية في مواجهة الكل“erga omnés”، بحيث “لا تقبل قرارات المجلس الدستوري أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية.
واستنادا إلى ما تضمنته أحد البحوث والدراسات النقدية والتحليلية، فإن عملية “الرقابة الدستورية” خلال هذه المرحلة، شابتها مآخذا واقعية كثيرة همت الظهور “البطيء والحذرو”المحافظ” من حيث “قوة وحجم وطبيعة القرارات المتخذة من طرف المجلس الدستوري، ومن جهة أخرى، بـ “ضعف المكانة والوظيفة على مستوى الهندسة القانونية وعدم قدرة المجلس على منافسة باقي المؤسسات الدستورية، وذلك بعلة“محدودية مجال ووسائل عمله، وهذا ما جعل المجلس الدستوري يتعرض لكثير من النقض والاعتراض لقراراته، حيث حاولت حينها اللجنة التي عينها الملك أن تتجاوز بخصوص مسألة القضاء الدستوري، تلك الاعتراضات عبر تغيير اسم المجلس الدستوري إلى “المحكمة الدستورية.