صدر خلال شهر ماي الماضي عن مطبعة”شمس برينت”بسلا، الطبعة الأولى من الكتاب الجديد للدكتور عبد المنعم لزعر، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس الرباط، اختار له موضوع”اللعبة الانتخابية ورهانات الحقل السياسي بالمغرب”، والكتاب الذي جاء في 276 صفحة من الحجم المتوسط ، هو من تقديم الدكتور أحمد بوز أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري ومنسق ماستر الأداء السياسي والمؤسسات بكلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس الرباط.
وتناول الباحث المهتم بالسوسيولوجيا الانتخابية أربعة فصول رئيسية، أولها فصل عن معيرة اللعبة الانتخابية ثم طقوس العبور لفضاءات اللعبة الإنتخابية، فيما خصص الفصل الثالث للحملة الانتخابية يليه فصل عن استراتيجيات اللعب الانتخابي.
هذا وحرص الكاتب على كسر بعض الحواجز التي مازالت تحول دون الوصول إلى الجذور العميقة لمختلف تفاصيل الظاهرة الانتخابية بالمغرب، فاتحا أمام القراء كل افتراضات ومقدمات نظرية الحقول ونظريات الاختيار العقلاني وغيرها من الأطر النظرية المساعدة، من أجل الإجابة على السؤال المركزي الذي تتمحور حوله محاول الدراسة، ويتعلق الأمر بحسب الكاتب بمدى نجاح أو فشل اللعبة الانتخابية بالمغرب في فرض نفسها في ظل رهانات حقل سياسي يجردها من كل عناصرها الفعلية.
واعتبر صاحب كتاب”اللعبة الانتخابية ورهانات الحقل السياسي بالمغرب”،تعبيرات اللعبة الانتخابية بأنها ليست مستقلة على مستوى المحددات المعيارية، كما أنها ترتبط بهوية وموقع الفاعلين المحركين للعبة ضمن آليات التسويق الانتخابي، وموازين القوى التي تخترقه والقواعد الضمنية التي توجهه والرهانات السياسية التي ترسم فعليته ودينامياته.
وزاد الكاتب في كتابه بأن هذا الارتباط بنيوي ووظيفي، مما جعل اللعبة الانتخابية تتحرك في إطار جغرافية مؤطرة بتوجيه من موجات طاقية ثلاثية الأبعاد، مما سمح لها بالتحول إلى لعبة تبدو فعلية وإن كانت مشهدية، حيث تبقى تمظهرات الصراع فيها متحكم فيه وفق الأصول حتى لا يخرج عن الخطوط المسموح بها.
فاللعبة الانتخابية وفق الزاوية التحليلية التي اعتمدها الباحث عبد المنعم لزعر، تكاد تقارب نسخة سياسية تمتح من طقوس سباق الخيل، وكل مشاركة في هذا السباق السياسي، مؤطرة برهانات صريحة وأخرى ضمنية، تجعل اللعبة الانتخابية رغم ما تفرزه من صور وممارسات وتفاعلات وما تؤسس له من وظائف وأدوار، لعبة شبه تنافسية عبر رحلة العبور نحو فضاءات الحقل السياسي ، مما يحكم على التغيير الذي تؤديه بمحدودية تأثيره ومساسه ببنية النظام السياسي القائم، بل إن هذا التغيير يعزز استقرار النظام السياسي.
وضمن نفس سياق خطوات الكاتب عبد المنعم لزعر الباحث عن فرص تكسير بعض مزاليج وأقفال الصندوق المركزي والصناديق الفرعية للحقل السياسي، كانت مقاربته النظرية والمنهجية التي اعتمدها في التحليل على ضوء الإشكالية الرئيسية المؤطرة لهذا العمل البحثي، حيث توقف عند مجموعة من الوقائع والحجج والمؤشرات والعناصر التحليلية التي تؤكد الارتباط الطاقي للعبة الانتخابية في المشهد السياسي المغربي.
و توقف الباحث في تحليله للعبة الانتخابية كثيرا عند آليات السوق والتسويق السياسي خاصة خلال فترة الحملة الانتخابية، معتبرا إياها حدثا مركزا في اللعبة الانتخابية، وتعبيرا عن طابعها الصريح والتفاعلي، ولحظة سياسية مهمة تنقل رهانات واستراتيجيات الأحزاب السياسية وباقي القوى الفاعلة في اللعبة من حلقة إلى أخرى، وهنا يشير الكاتب إلى أن العملية الانتخابية في ضوء هذه الآليات يجب أن ينظر إليها من زاويتين، الأولى تشير إلى تداولات الحملة المندمجة في إطار رهانات السوق السياسي والانتخابي، وزاوية ثانية عنونها بتبادلات غير واعية للأدوار السياسية والانتخابية، حيث تكتسب بحسبه التداولات السوقية مدلولاتها بالارتباط باستراتيجيات تهدف إلى التأثير في موازين القوى، في حين تكتسب التبادلات غير الواعية حقيقتها بالارتباط باستراتيجيات تهدف إلى الحفاظ على موازين القوى، موضحا أن التأثير الأول يحدث بعلم الفاعلين، ويجد تعبيراته في التغييرات التي تعرفها الخريطة الانتخابية على مستوى محصلة الأصوات وعدد المقاعد وهويات الفائزين، فيما يحدث التأثير الثاني في غياب الفاعلين، لكنه يجد تعبيراته في استقرار القانون الضمني والتعاقدات التي يتأسس عليها المشهد السياسي المغربي .
وفي الفصل الأخير من هذه الدراسة موضوع كتاب”اللعبة الانتخابية ورهانات الحقل السياسي بالمغرب”،تطرق كاتبه عبد المنعم لزعر إلى عينة من الاستراتيجيات السياسية والانتخابية المعتمدة من قبل الفاعلين السياسيين، سواء خلال زمنية الحملة الانتخابية أو خلال الزمنية التي تسبقها أو تليها، وهي استراتيجيات تتغير بتغير الرهانات والتحالفات والسياقات، حيث اعتبر الباحث التعبيرات التي تكشف عنها هذه الاستراتيجيات والآليات المعتمدة على مستوى جغرافية اللعبة السياسية، تكشف حقيقة هذه الاستراتيجيات المشحونة سياسيا والمشبعة طاقيا بعدد من الرهانات المرتبطة بالحسابات الانتخابية للفاعلين السياسيين وكذا الرهانات والترتيبات السياسية المتحكمة في المشهد السياسي.
وخلص كتاب “اللعبة الانتخابية ورهانات الحقل السياسي بالمغرب”، إلى تأكيد حقيقة انتهى إليها الكاتب في بحثه، مفادها أن منطق اشتغال الحقل السياسي المكتسح من قبل موجات طاقية ضمنية له قدرة غريبة على إخفاء نفسه من خلال إخفاء رهاناته ومنطق اشتغاله، مما يُبقي بحسب الدكتور عبد المنعم لزعر، الباب مفتوحا لمزيد من الأبحاث والدراسات لفك لغز صناديق اللعبة السياسية المقفلة والرهانات المرتبطة ببنية الحقل السياسي المغربي.