كيف تطوّرت اليابان وتخلّف المغرب.؟ سؤال قديم جديد يعيد طرح نفسه مجددا، والسبب الوضعية التاريخية المشتركة بين اليابان والمغرب، حيث كان البلدان يعيشان نفس وضعية الهشاشة والفقر والتخلف تقريبا، كما كانت لهما نظرة استشرافية للمستقبل، بإرسالهما بعثات علمية إلى أوربا وذلك للاستفادة من تجارب دولها في التطور العلمي والاقتصادي والاجتماعي، حتى يتمكنا من نقل تلك التجارب الرائدة إلى بلديهما. لكن، لماذا تقدمت اليابان وتخلّف المغرب عن الركب.. !
كان الفكر الياباني مرتبطا بالفكر الصيني التقليدي منذ القرن السادس عشر، مما جعل بعض المفكرين اليابانيين يثورون على هذه العلاقة التي تُكرّس حالات الهشاشة والفقر، وتجعل الدول المتقدمة طامعة في استعمار جزرهم. الشيء الذي جعل اليابانيين يربطون دروس الأخلاق والتربية في مناهجهم الدراسية بمبادئ حكماء الصين، وفيما له علاقة بالعلوم الحقة من فلك وجغرافية وتطوير للميدان العسكري والتجاري والطبي وغيرها…، فنجدهم يعتمدون وينفتحون أساسا على القارات الخمس. كما ميزوا في هذا الصدد بين نوعين من التعليم، الأول مُموّه والثاني تعليم صحيح يساعد المجتمع على تحقيق حريته واستقلاله ومن ثمّ تنميته.
ونظام الحكم في اليابان نظام امبراطوري، يشبه إلى حدّ بعيد النظام الملكي الموجود بالمغرب، وعلاقة المجتمعين بالماضي الديني والأسطوري كبير جدا، لكن امبراطورية اليابان لمّا رسمت للدولة خطة التنمية البشرية، جعلت كل المعتقدات المرتبطة بالديانات والأساطير اليابانية في منأى من هذه الاستراتيجية، فأصبح بذلك التعليم الياباني يركز على كل العلوم التي من شأنها تنمية وتطوير المجتمع، عكس الدولة المغربية التي لم تُعر منذ الاستقلال أهمية قصوى للتعليم في أوساط المجتمعات المهمّشة، ممّا ولّد فراغا من حيث محتويات التنمية الاجتماعية لصالح المعتقدات والخرافات ذات المرجعية الأسطورية في ارتباطها بالأضرحة والزوايا والشعوذة.
يكفي التذكير أن وزارة الأوقاف بالمغرب، تخصص مبالغ طائلة للزوايا والأضرحة، حبذا لو حوّلت هذه المبالغ إلى محو الطقوس والمعتقدات من الذاكرة الحية للمجتمع المغربي، واحتواء هذه الذاكرة بالمحتوى العلمي، وذلك لتغيير حالة الانتظار والتردد التي يعيشها المواطن المغربي – انتظار موت المستبد الوهمي – بحالة ” استشراف لمعالم المستقبل “.
هذا التردد الذي ينتابنا، يأتي من ارتباطنا بثقافة مشتركة تحدد مصير الأنا الأعلى لكل أفراد الجماعة، وفي الجماعات المشبعة بالفعاليات الرمزية كالمغرب، يتحدد هذا المصير بمنظور الماضي وليس في استشراف معالم المستقبل، إذ سطوة الأسطورة تثقل كل مرتكزات وأسس التغيير وتُرجئها إلى لحظة الانتظار مع التسويف، لينتقل الحلم بالتغيير من حالة سرعة الحلم إلى حالة بطئ الواقع، فتبقى الأفكار المتناقضة في الذاكرة، مصدرا لكل التساؤلات المقلقة والمحيّرة التي لا تزيد المجتمع المثقل بالفعاليات الرمزية سوى كآبة ووضعا سيئا، خصوصا لمّا يرى هذا الإنسان العالم المتطور حوله وقد تدفّق كالسيل الجارف مسرعا نحو المستقبل غير مثقل بماضيه.
يبقى على الدولة، أن تساهم على امحاء كل الطقوس المجددة للزمان الأسطوري الموجودة في واقع المجتمعات، كونها تبطئ كل مساعي الإسراع نحو استشراف معالم المستقبل، حين تقوم بتثبيت الذاكرة لتعيش حياتها الحاضرة من منظور الماضي، عوض أن نجعلها تعيش حاضرها من منظور المستقبل، وهكذا يستطيع الأفراد أن يحرروا آناتهم من سطوة الأنا الأعلى.