غزوان اسم عَلَم، وعتبة بن غزوان هو صحابي جليل حضر بدرا، وهو الذي اختط مدينة البصرة، وكان أول وال عليها في عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وهي مدينة الحسن البصري وفيها كان يدرس.
أصل التسمية
وهذا الاسم “غزوان” يطلق على الأطفال بكثرة في العراق، ربما تيمنا باسم هذا الصحابي الجليل الذي حضر كل المعارك مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما كان من أول الذين أسلموا، ومن الذين هاجروا إلى الحبشة، ثم إلى المدينة المنورة.
ولكن المقصود من “غزوان”عنوان الموضوع من حديثنا هنا هو “قصر” أو بلدة أو قصبة بضواحي مدينة تالسينت، بإقليم فجيج، والتي أخذت اسمها عن مؤسسها أو ولي من أولياء الله، ربما كان قد اتخذ هذا المكان خلوة له أو كان يعلم فيه القرءان وعلومه. وبقي فيه إلى أن لقي ربه، وبالتالي سميت باسمه.
ولأن قصر غزوان كان مركز علم وقرآن، الشيء الذي انعكس على سلوك أهلها، فتجلى في دماثة أخلاقهم، وتواضعهم وترفعهم عن السفاسف والصغائر، فإن هذه القصبة الصغيرة نسبيا في حجمها، لها شكل معماري خاص وفريد من نوعه، لكنها كبيرة بتاريخها وبرجالها. تعد من أقدم أو ربما أقدم تجمع سكاني في منطقة تالسينت، كما تعد من أعرق مراكز تدريس وتحفيظ القرءان الكريم.
سكان غزوان ليسوا من قبيلة واحدة، وإنما، وكما يقال، من عائلات مختلفة استوطنت القصبة واندمجت فيما بينها حتى أصبحت قبيلة واحدة. وأصول بعض العائلات منها تعود لبني يزناسن كعائلة الزاوي، وعائلة العبدلاوي تعود أصولها إلى العبادلة نواحي مدينة بشار. وهناك ا”لعبدلاويون” الأدارسة و”العبدلاويون” العلويون، ثم عائلة العاملي ويعود أصلها إلى أحد أبناء سيدي محمد السبع دفين دويرة السبع القديمة، أما بخصوص العائلات الأخرى فما زلت أبحث وأنقب.
في غزوان عائلات لها أسماء جميلة كعائلة باجّة، وهذا الاسم كان منتشرا في الأندلس ومنهم ابن باجّة العالم والشاعر والموسيقار الذي كان معاصرا لابن رشد وابن حزم، كما يحضر بنفس المنطقة “اسم بكة”، وينطقها أهل غزوان “باكّا”، وهذا الاسم المرادف لمكة المكرمة كما ورد في الآية الكريمة 97، من سورة آل عمران:” إن أول بيت وضع للناس للذي بِبَكَّةَ مباركا وهدى للعالمين”، وبكة، كذلك، اسم لواد شمال جبل طارق، اختاره الفاتح طارق بن زياد حصنا منيعا له ولجنوده 12 ألف، لما علم أنَّ لذَرِيق، الحاكم الإسباني يومئذ، يزحف في اتجاهه بجيش قوامه 70 ألفا.
أهل غزوان ناس جديون مجتهدون ويشتغلون بصدق ومبدعون في كل المجالات بما فيها الفلاحية. فهم من كانوا يمونون سوق تالسينت بالخضر والفواكه والألبان وزيت الزيتون كل صباح ويوم الثلاثاء السوق الأسبوعي، كما أن بلدة أو قصر غزوان أنجب أكبر عدد من الأطر في منطقة تالسينت على الإطلاق، فمنهم أطباء كثر ومهندسون وأساتذة جامعيون وضباط كبار في الجيش الملكي والأمن الوطني، وفي ميدان التربية والتعليم، ومنهم رجال أعمال ناجحون وفي جميع ميادين المعرفة والاقتصاد.
أهل غزوان ناس كرماء متواضعون مجدون في أعمالهم ومخلصون، وأطرهم لا تميل إلى العمل السياسي، بل متفانون في مسؤولياتهم، بكل كفاءة واقتدار وبكل تواضع، ولا يحبون الظهور… وحينما تلتقي بهم في شوارع أو مقاهي تالسينت تكاد لا تميزهم عن الناس العاديين.
غزوان حاضنة الضريح من “السلكة” إلى “الموسم”
في حديث لي، قبل سنوات قليلة، مع أحد الإخوة الأعزاء منهم، قلت له، إن غزوان يعج بالأطر، لكني لم أر، على حد علمي، أي أحد منهم يغوص في تاريخ غزوان، ويمكننا من دراسة أنثروبولوجي، تكون لنا مرجعا ونحافظ بها على تاريخ “القصر”، كما اقترحت عليه أن يقوم هؤلاء الأطر وهي كثيرة، وهو أحدهم، بمحاولة إقناع وزارة الثقافة للحفاظ على الشكل المعماري للقصر وترميمه، ولمَ لا إدراجه تراثا إنسانيا وتوقيع اتفاقية مع اليونسكو، شانه شان قصر آيت بن حدو، بإقليم ورزازات.
معلمة أخرى تتشرف باحتضانها قصبة غزوان، ألا وهي ضريح مولاي علي بن عمر. جد الشرفاء الأدارسة “السغروشنيين”، والذين ينتشرون في مناطق جبال الأطلس المتوسط وصولا إلى الظهرة، أي النجود العليا بالمنطقة الشرقية.
مولاي علي بن عمر (المدعو الشريف) بن محمد بن عمران الخطيب الفاسي الأندلسي (وتسميه العامة سيدي عمران). وعلى سيدي عمران ينسب مسجد عمران الذي يوجد بحومة الكدان، بفاس، وقد خرب. أما سيدي عمر الشريف أبو مولاي علي فيوجد قبره عن يمين الذاهب لباب بني مسافر، بفاس دائما. (انظر الروض العطر الانفاس، بأخبار الصالحين من أهل فاس. المنسوب لأبي عبد الله محمد بن عيشون الشراط).
توفي مولاي علي بن عمر سنة 559 هجرية، وكانت العادة أن تعقد القبائل السغروشنية، بعد موسم الحصاد، لقاء سنويا بالضريح ومحيطه يسمى ” السلكة”، حيث تتحول المنطقة خلال شهر غشت من كل سنة ماعدا في حالات الجفاف، ّإلى محج تلتئم فيه قبائل آيت بوشاون، وفي شهر شتنبر يكون الدور على قبائل آيت بالحسن، لكن سرعان ما جرى توحيد توقيت هذا اللقاء السنوي للقبائل في شهر شتنبر.
يذكر أن الشيوخ وطلبة العلم كانوا يجتمعون لقراءة القرآن والذكر والدعاء داخل الضريح، فيما يقوم أهل غزوان بالتنظيم والتأطير، في مقابل تكفل القبيلة المستضيفة “للسلكة” بإطعام الزوار وتوزيع الصدقات عليهم، وهي العادة التي استمرت فيما بعد، حيث تتحول الخيام عند تنظيم “الموسم” إلى ما يشبه مطاعم عمومية، تستقبل الزوار وتطعمهم، وذلك على الرغم من تغير مفهوم “السلكة” إلى طقوس جديدة تخص “موسم” خاص بمولاي علي بن عمر الراقد بضريحه.