يبدو أن تمريغ أنف البيجيدي في تراب التنازلات لايزال مستمرا، بالقدر الذي لاتزال قيادة الحزب مستعدة للقبول بهذا التمريغ.
آخر الإنجازات العظيمة تتمثل في عزم حكومتنا المظفرة السماح بزراعة وتصدير وبيع “القنب الهندي”، المعروف محليا باسم “نبتة الكيف”، وذلك لأغراض طبية وصناعية كما جاء في مشروع القانون الذي عرض على طاولة المجلس الحكومي لأزيد من مرتين.
وبغض النظر عن الكلام غير المقنع حول قدرة هذا المشروع على المساهمة في تنمية مناطق الشمال والحد من الأزمة المالية التي تعرفها جيوب الساكنة، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه متعلقا بحزب البيجيدي الذي يرأس الحكومة، والذي سبق له أن قاوم محاولة بعض الجهات التي نادت غير ما مرة بتقنين هذه النبتة، آخرها مقترح قانون تقدم به فريق البام سنة 2016 لهذا الغرض، وقبله مقترح للفريق الاستقلالي الذي حمل نفس المطلب.
هل سيقبل الحزب ذو المرجعية الإسلامية بأن يناقض مواقفه التي لم تمر عليها سوى بضع سنوات، ويقبل بما لم يقبل به من قبل، بل وأن يكون من أهم المدافعين عنه؟
سياسيا، يبدو من العبث الصارخ لحزب سياسي يحترم نفسه، الانقلاب على مواقف الأمس المضمنة في بياناته وبلاغاته الرسمية وتصريحات قيادييه، وفي مواد موقعه الإلكتروني الرسمي، ووضع قواعد الحزب ومتعاطفيه أمام مطرقة الأمر الواقع، وسندان المصلحة الوطنية المفترى عليها، والدفاع المتسرع عن هذا المشروع دون العودة إلى مؤسسات الحزب للتداول في الموضوع، مع توفير الوقت الكافي لذلك، للخروج بموقف واضح حوله، سواء تعلق الأمر بمراجعة الموقف السابق أو التمسك به.
لكن، وبما أننا على أعتاب استحقاقات انتخابية، سيكون من الجيد أن يقوم المدافعون عن هذا المشروع الذي لم يرد لا في برنامج انتخابي ولا في برنامج حكومي أن يقوموا بتقديم استقالتهم من قيادة حزب العدالة والتنمية إذا كانوا مصرين على تمريره في هذه اللحظات الحساسة، التي يبدو فيها الحزب كأنه يعاني من إدمان تنازلات مقرونة بعدم وضوح الرؤية، ابتدأت منذ فترة البلوكاج، ولاتزال مستمرة إلى حد اللحظة.
من جهة أخرى، يجب التأكيد أن من أهم خلاصات اليوم الدراسي التي سبق لحزب العدالة والتنمية أن نظمه بتاريخ 2 أبريل 2016 هو أن نبتة القنب الهندي تعتبر من أهم معوقات التنمية في مناطق الشمال، على عكس ما يجري ترويجه، وأن تنمية المناطق الجبلية عملية ممكنة استنادا على برامج تنموية حقيقية قائمة على الفلاحة والسياحة والنهوض بالعنصر البشري انطلاقا من المؤهلات الطبيعية المتميزة التي تتوفر عليها المنطقة. أما الدعوة إلى “تقنين الكيف” والاختباء وراء هذه الذريعة بمبرر رد الاعتبار لمناطق الشمال، وكأن “القنب الهندي” هو المخلّص الذي سيعمل على تنمية مناطق الريف، فهو نوع من الدعاية الرخيصة التي تختبأ وراءها جماعات مصالح تعرف ما تريد جيدا. أما التنمية الحقيقية للمناطق الجبلية فالعالم يعرف أنها تقوم على تعزيز البنيات التحية لهذه المناطق وفك العزلة عنها، وتوفير فرص الشغل للشباب العاطل، وتأهيل المنطقة بمؤسسات التنشئة السوسيوثقافية والرياضية، والأهم من ذلك توفير الحرية للمزارعين البسطاء وإلغاء المتابعات الجارية في حقهم..